باكستان والكفاح من أجل العدالة المناخية

باكستان والكفاح من أجل العدالة المناخية

 09/10/2022

باكستان تكبدت ما يقرب من 15 مليار دولار من الخسائر بسبب تغير المناخ
يبدو واضحًا أن فيضانات باكستان مرتبطة بتغير المناخ الناتج عن سلوك الإنسان


بقلم : جيفري د. ساكس*

كان عام 2022 عام الكوارث المناخية، بما في ذلك الجفاف، والفيضانات، والحرائق المهولة، والأعاصير، وغيرها من الكوارث التي ضربت جميع مناطق العالم. وتعد باكستان من بين البلدان الأشد تضررًا من هذه الكوارث. إذ تجاوزت الأمطار الموسمية الغزيرة متوسطها على مدى 30 عامًا بنسبة 190 في المائة تقريبًا، فغمرت الفيضانات غير العادية ثلث البلاد وقتلت 1400 شخص حتى الآن. ولكن هذه الفيضانات ليست مجرد «كارثة طبيعية»؛ بل هي أيضاً نتيجة المخالفات التي يجب أن تتحمل البلدان ذات الدخل المرتفع تكلفتها المالية الكبيرة.

ويبدو واضحًا أن فيضانات باكستان مرتبطة بتغير المناخ الناتج عن سلوك الإنسان. إذ نظرًا لأن الهواء الذي يتسم بارتفاع درجات الحرارة يحتفظ بقدر أكبر من الرطوبة، فإن درجات الحرارة المرتفعة تؤدي عمومًا إلى رياح موسمية أقوى. وفي حين أن الرياح الموسمية لها تباينات طبيعية من سنة إلى أخرى (تكون قوية في بعض السنوات وضعيفة في سنوات أخرى)، يتحول الاحتمال نحو هطول أمطار غزيرة. وقد يسهم ذوبان الأنهار الجليدية في «الهيمالايا» بسبب ارتفاع درجات الحرارة أيضًا في زيادة الفيضانات، وعلى الأرجح أن الشيء نفسه ينطبق على التغيرات في استخدام الأراضي، بما في ذلك إزالة الغابات والبنية الأساسية سيئة التصميم.

وستكون تكاليف فيضانات باكستان باهظة. إذ تشير التقديرات الأولية إلى أن الأضرار تجاوزت 30 مليار دولار، وستشهد الأشهر القادمة زيادة معدلات الجوع، والمرض، والفقر، وتكاليف هائلة لإعادة البناء، بعد أن تعرض أكثر من مليون منزل إما للضرر أو للدمار.

ومن المحتمل أن يتوصل العلماء إلى تقديرات دقيقة بشأن مسببات فيضانات باكستان في الأشهر المقبلة. وإذا افترضنا أن نصف خسائر باكستان تُعزى في النهاية إلى تغير المناخ على المدى الطويل، والنصف الآخر إلى التباين العشوائي من عام إلى آخر، والممارسات فيما يتعلق باستخدام الأراضي المحلية، فهذا يعني أن ما يقرب من 15 مليار دولار من الخسائر المقدرة نتجت عن تغير المناخ. وحينها ستصبح مهمة العلماء توزيع المسؤولية عن هذه الكوارث المنسوبة إلى المناخ.

وفي ظل الترتيبات العالمية الحالية، تقع المسؤولية المالية بالكامل تقريبًا على عاتق باكستان. ومن المؤكد أن الولايات المتحدة قد تعهدت بتقديم حزمة إغاثة بقيمة 50 مليون دولار تقريبا، وخصصت كندا مبلغا بقيمة 5 ملايين دولار، ومن المرجح أن تنضم إليها دول أخرى. ولكن حتى لو بلغ إجمالي الإغاثة المقدمة لباكستان 150 مليون دولار، فإن ذلك سيغطي 1 في المائة من الخسائر التي يمكن أن تُنسب في هذا السيناريو. والآن، لنفكر في طريقة بديلة لتحديد المسؤولية بناءً على مساهمات البلدان في تغير المناخ. فهذه هي الطريقة التي تحدد بها المسؤولية في الولايات المتحدة والدول الأخرى بصفة عامة. فإذا أضر جارك بممتلكاتك من خلال سلوك متهور، يمكنك رفع دعوى عن الأضرار (تعويض)؛ وإذا قام مصنع قريب بتلويث مجتمع بأكمله، فيمكن لهذا المجتمع رفع دعوى كمجموعة (من خلال دعوى قضائية جماعية، في حالة الولايات المتحدة).

إن دول العالم الغنية تشبه ذلك المصنع الملوث. فقد حرَمت باكستان من الظروف المناخية طويلة الأمد التي بنت عليها اقتصادها، ومنازلها، ومزارعها، وبنيتها الأساسية. ولو كانت هناك محكمة عالمية للمناخ، لكان لدى حكومة باكستان حجة قوية ضد الولايات المتحدة وغيرها من البلدان ذات الدخل المرتفع لفشلها في الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تؤدي إلى تغير المناخ. ولكن نظرًا لعدم وجود محكمة مناخ عالمية (حتى الآن)، يجب أن تتعاون الحكومات في هذا السياق، وأن توزع الخسائر والأضرار المناخية التي يمكن عزوها إلى تلك البلدان المسؤولة عنها على مر التاريخ. وستتحمل باكستان (وجيرانها في جبال الهيمالايا) بالطبع المسؤولية الأساسية عن الإدارة المستدامة للأراضي، بما في ذلك إعادة التحريج والبنية الأساسية الآمنة للمناخ.

إن أكبر مصدر لتغير المناخ الذي يسببه الإنسان هو تركيز انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي الناتج عن احتراق الوقود الأحفوري (الفحم والنفط والغاز الطبيعي). إذ نظرًا لأن بعض جزيئات ثاني أكسيد الكربون المنبعثة في الغلاف الجوي تظل هناك لقرون، فإن التركيز على الانبعاثات المتراكمة على مدى فترات طويلة من الزمن أمر بالغ الأهمية.

وبين عامي 1850 و2020، أدى حرق الوقود الأحفوري إلى انبعاثات تراكمية بلغت 1.69 تريليون طن من ثاني أكسيد الكربون. وتمثل الولايات المتحدة ما يقرب من 24.6 في المائة - 417 مليار طن- من هذه الانبعاثات، وهو أكبر بكثير من نصيبها من سكان العالم 2021: ما يقرب من 4.2 في المائة. كذلك، فإن البلدان ذات الدخل المرتفع مجتمعة (بما في ذلك الولايات المتحدة، وأوروبا، واليابان، وعدد قليل من البلدان الأخرى) مسؤولة عما يقرب من 58.7 في المائة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التراكمية، ولكنها تمثل 15 في المائة فقط من سكان العالم اليوم. وعلى النقيض من ذلك، ساهمت باكستان بنحو 5.2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون بين عامي 1850 و2020- تقريبًا ما ينبعث من الولايات المتحدة كل عام. ومن ثم فإن نصيبها من المسؤولية التاريخية يبلغ ما يقارب 0.3 في المائة- أقل بكثير من نصيبها من سكان العالم (2.9 في المائة) وعبء الضرر المرتبط بالمناخ.

ورغم أن الولايات المتحدة وغيرها من البلدان ذات الدخل المرتفع «مُصَدرة صافية للأضرار المناخية»، فإن باكستان ومعظم البلدان الأخرى ذات الدخل المنخفض والبلدان ذات الدخل المتوسط الأدنى تتحمل كرهًا صافي هذه الأضرار. صحيح أن هناك بعض الجدل بشأن التواريخ التي يجب استخدامها عند تقييم المسؤوليات التاريخية. وتقول إحدى وجهات النظر، يجب حساب الانبعاثات التراكمية منذ قرابة عام 1850، لأنه في ذلك الوقت ارتفع استخدام الوقود الأحفوري في جميع أنحاء العالم مع بداية التصنيع في الولايات المتحدة وأوروبا. ولكن معسكرًا آخر يقول إنه في عام 1992، اعتمدت حكومات العالم اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، والتزمت بتثبيت تركيزات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي «عند مستوى من شأنه أن يمنع التدخل البشري الخطير في نظام المناخ». ولكن هذا النقاش لا يكاد يؤثر على توزيع المسؤولية. فحتى لو قمنا بقياس الانبعاثات التراكمية من فترة 1992-2020 فقط، فستكون حصة الولايات المتحدة هي 19.6 في المائة، وحصة مجموعة الدخل المرتفع هي 46.9 في المائة، وحصة باكستان هي 0.4 في المائة. وفي كلتا الحالتين، يجب أن تتحمل الدول الغنية نصيبها العادل من التكاليف المنسوبة للتكيف مع المناخ، والاستجابة لحالات الطوارئ، والتعافي في البلدان التي كان لها دور ضئيل أو معدوم في التسبب في كوارث اليوم. ومع زيادة الأضرار المناخية، تزداد أيضًا الحاجة إلى استثمارات كبيرة ومكلفة (بما في ذلك إعادة التحريج على نطاق واسع، والبنية التحتية للتحكم في الفيضانات، وتخزين المياه العذبة، وغيرها) لحماية المجتمعات من الفيضانات، والجفاف، وحرائق الغابات، والأعاصير شديدة القوة، والكوارث الأخرى ذات الصلة بالمناخ.

وتحدث المآسي المتعلقة بالمناخ مثل فيضانات باكستان بوتيرة وبشدة متزايدتين في جميع أنحاء العالم، في البلدان الغنية والفقيرة على حد سواء. إن الكوارث الحالية هي مجرد نظرة مسبقة لما ينتظرنا في السنوات والعقود القادمة. وفي كثير من الأحيان، تنكر الدول الغنية والقوية مسؤولياتها التاريخية- سواء عن الاستعمار أو العبودية أو الأضرار المناخية. وجميع البلدان مسؤولة عن إزالة الكربون من أنظمتها الطاقية ومن إدارة أراضيها، وأنظمتها البيئية بطريقة مسؤولة ومستدامة. ومع ذلك، لن ينسى العالم النامي الدور الريادي الذي اضطلعت به البلدان الغنية في خلق كوارث مناخية عالمية اليوم. ومع التزايد السريع للخسائر المرتبطة بالمناخ، ستزداد الطلبات العالمية على العدالة المناخية.

• جيفري د. ساكس أستاذ جامعي في جامعة كولومبيا ومدير مركز التنمية المستدامة بجامعة كولومبيا ورئيس شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة.